( وصف نساء الجنة)
الحمد لله ربنا لا نعبد إلا إياه ، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه وبعد :
أخي المشتاق ، لدار الأشواق ، أختي في الله ، يا من تطلبين رضا الإله ، يصل بنا الحديث إلى
وصف نساء أهل الجنة ، فهل سمعتم عن نساء الجنة ، وحور الجنة ، وعن حسنهن وجمالهن ، وما
لهن في دار الخلود ، قبل الحديث عن ذلك ، اسمحوا لي بهمسة لابد منها ، معلوم أن الحسن
والجمال مطلوب للنفس محبوب لها سواء في الزوج أو الزوجة ، فهو من دوافع المحبة ، ومحركات
الشهوة ، ومكملات اللذة والنعيم لمطلب له مكان في قلب الرجل والمرأة ،ونحن الآن نقف على صفة نساء الجنة
،فاسمعوا كلام من خلقهن ، فأنشأناهن إنشاء ، فجعلهن أبكارا عربا أترابا ،قال تعالى ((ولهم فيها
أزواج مطهرة وهم فيها خالدون )) البقرة 25 ، (( فيهن خيرات حسان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، حور
مقصورات في الخيام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، فبأي آلاء ربكما
تكذبان )) الرحمن 70 ، قال ابن القيم رحمه الله : المطهرة التي طهرت من الحيض ، والبول والنفاس
، والغائط والمخاط والبصاق ، وكل قذر، وكل أذى يكون من نساء الدنيا ، فطهر مع ذلك باطنها من
الأخلاق السيئة ، والصفات المذمومة ، وطهر لسانها من الفحش والبذاء ، وطهر طرفها من أن تطمح
به إلى غير زوجها ، وطهر ت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ ، حادي الرواح283
أيها المشتاقون إلى الجنة أقف أنا وإياكم على عجل على بعض صفات الحور ، فهل من باذل للمهور
،
يا خاطب الحور الحسان وطالبا لـوصـالـهــن بــجـنــة الحـيـــوان
لـو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الأثمان
من صفاتها : بياض الوجه وحسنه ، فهي حوراء ، والحوراء هي البيضاء النقية ـ فلا نمش فيها ولا
بقع ، قال ابن الأثير : الحوراء هي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها ، وبياضها مختلط بصفرة
حتى لا يكون كالبرص (( كأنهن بيض مكنون ))الصافات29 ، قال عليه الصلاة والسلام ( ولو أخرجت
الحورية وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض )ابن أبي الدنيا والبزار
وهي مع بياضها حسنة حسناء ، فقد تكون المرأة بيضاء بلا جمال أما الحور فقال فيهن ربهم ((فيهن
خيرات حسان )) الرحمن70 ، هذا جمالها الوجه بصفة عامة أما مع التأمل فسيرى الناظر العجب
في مكوناته وقسماته ، فهو مجمع لعناصر وأعضاء متعددة كل عضو منها آية في الحسن في هذا
الوجه الحسن 0
أما العينان فقال فيهما من خلقهما ((وحور عين )) ، والعين جمع عيناء ، والمرأة العيناء التي جمعت
عيناها صفات الملاحة والحسن ، قال مقاتل : ومن محاسن المرأة اتساع عينيها في طول ، فعينها
سوداء والجفن فاتر هادئ من الرقة والأنوثة ، سود العيون فواتر الأجفان 0
والأنف فلا تسأل عن جماله ورقته ،وطهارته من من المخاط والأذى والرشح والبرد والزكام ، فهي
مطهرة طهرها ربها جل وعلا ، وأما الخد فقد جمع الصفاء والحمرة مع الحسن ،قال عليه الصلاة
والسلام في قوله تعالى((كأنهن الياقوت والمرجان )) ينظر إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة )
البيهقي والحاكم
أما الفم فلا تسأل عن جماله وعذوبته ونوره عند التبسم ، قال عليه الصلاة والسلام (لو أن حوراء
بصقت في سبعة أبحر لعذبت البحار من عذوبة فمها )أبو نعيم ،و ذكر ابن أبي الدنيا عنه عليه
الصلاة والسلام قال ( سطع نور في الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا هو من ثغر حوراء ضحكت في وجه
زوجها ) ،حادي الأرواح306
وهن الكواعب الأتراب ،قال تعالى ((وكواعب أترابا )) ، كواعب :هذا وصف لصدورهن وما حوت ،
فالصدر ذو اتساع وشفافية ، قال عليه الصلاة والسلام (وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده
من وراء صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها) ، وكواعب المراد أن ثديهن متكعبة مستديرة كالرمان
، وليست متدلية دانية من البطن ، كما يحدث للمرأة بسبب حمل اللبن ورضاعة الطفل ،
الأتراب :أي في سن واحد 0
أما خصرها ووسطها فهو لين كالقضيب الطري ، وقوامها مستدير كالعاج ، وسط كأوسط القضبان 0
والقدّ منها كالقضيب اللدن في حسن القوام كأوسط القضبان
حق من العاج استدار وحوله حبّات مسك جلّ ذو الإتقان
كبدها مرآة زوجها ، وكبده مرآتها ، كما ورد في الحديث ، أما معصمها ولينه ونعومة كفها وخواتيمها
فاسمع يا مشتاق : قال المصطفى عليه الصلاة والسلام (حدثني جبريل قال :يدخل الرجل على
الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة ، قال عليه الصلاة والسلام ( فبأي بنان تعاطيه ، لو أن بعض
بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر )الطبراني والهيثمي ، أما ساقها وبياض قدمها فقال
الجبار فيهن (( كأنهن الياقوت والمرجان )) ، قال عليه الصلاة والسلام ( يرى مخ ساقهما من وراء
لحومهما وحلتهما كما يرى الشراب الأحمر من الزجاجة البيضاء ) مسلم2-350 0
أما ريحها وحللها ،فقال عليه الصلاة والسلام ( لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض
لملأت ما بينهما ريحا )متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام (على كل زوجة سبعون حلة يرى
مخ سوقهما من وراء لحومهما وحلتهما ) ، روى أحمد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (ولنصيف
امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ) وعند البخاري ( خير من الدنيا وما فيها ) البخاري3-185
، وعند ابن أبي الدنيا (ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنه مثل الفتيلة في الشمس لا
ضوء لها )
قال تعالى (إنا أنشأناهن إنشاء ، فجعلناهن أبكارا ،عربا أترابا) قال الألوسي : أبكارا دائمات البكارة
كلما وطئن وجدت أبكارا ، فلا تنتهي هذه البكارة أبدا بل تتجدد بدون قذر ولا ألم ، قال عليه الصلاة
والسلام ( إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا ) حادي الأرواح308 ، وسئل عليه الصلاة
والسلام هل يتناكح أهل الجنة فقال ( بذكر لا يمل ، وشهوة لا تنقطع ، دحما دحما ) حادي الأرواح
308 ، وقال عكرمة في قوله تعالى (( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون )) قال في افتضاض
الأبكار0حادي الأرواح309 0
فالله أكبر ما أعظمه من نعيم مع حور قاصرات الطرف على أزوجهن فلا يبغين غيرهن ، خالدات
مقيمات ،لا يمتن ولا يرحلن ،راضيات غير ساخطات ،مادحات مهنئات ، مغنيات بأحسن الأصوات ،
كما قال عليه الصلاة والسلام ( إن في الجنة لمجتمعا للحور العين ، يرفعن بأصوات لم تسمع
الخلائق بمثلها ، يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا
نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له ) الترمذي 2564 ، وقال ابن المبارك حدثنا الأوزاعي عن يحيى
ابن أبي كثير : إن الحور العين يتلقين أزوجهن عند باب أبواب الجنة فيقلن طالما انتظرناكم ، فنحن
الراضيات فلا نسخط ، والمقيمات فلا نظعن ، والخالدات فلا نموت ، بأحسن أصوات سمعت ، تقول
: أنت حبي ، وأنا حبك ، حادي الأرواح 325 ، قال ابن القيم رحمه الله :
حور حسان قد كمـــلـــــــــن خلائقا ومحاسنا من أجمل النسوان
حتى يحار الطرف في الحسن الذي قد ألبست فالطرف كالحيران
ويقول لما أن يشاهد حسنـــــهـــــــا سبحان معطي الحسن والإحسان
والطرف يشرب من كؤوس جمالها فتراه مثل الشارب النشوان
كملت خلائقها وأكمل حـــسنــهـــــا كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها والليل تحت ذوائب الأغصان
فتراه يعجب وهو موضــع ذاك من ليل وشمس كيف يجتمعان
فيقول سبحان الذي ذا صــــــــــنعه سبحان متقن صنعة الإنسان
وكلاهما مرآة صــــاحـــــبــــــه إذا ما شاء يبصر وجهه يريان
فيرى محاسن وجهـــــه في وجهها وترى محاسنها به بعيان
حمر الخدود ثغورهــــــــن لــــآلئ سود العيون فواتر الأجفان
والبدر يبدو حين يبسم ثغرهـــــــــا فيضيء سقف القصر بالجدران
ولقد روينا أن برقا ســــاطـــعــــــا يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر ضـــاحـــــــك في الجنة العليا كما تريان
ريانة الأعــــطاف من ماء الشباب فغصنها بالماء ذو جريان
لما جرى مـــاء الشباب بغصنــــها حمل الثمار كثيرة الألوان
فالورد والتفـــــاح والـــرمــــّان في غصن تعالى غارس البستان
وإذا بدت في حـــــلــــــة من لبسها وتمايلت كتمايل النشوان
تهتز كالحمل الرطـــيب وحـــــمله ورد وتفاح على رمان
وتبخترت في مشيها ويــــحق ذاك لمثلها في جنة الحيوان
ووصائف من خلفها وأمامــهــــــا وعلى شمائلها وعن أيمان
كالبدر ليلة تـــمه قــــد حـــــف في غسق الدجى بكواكب الميزان
فلسانه وفــــؤاده والـــطــــرف في دهش وإعجاب وفي سبحان
اللهم لا تحرمنا التلذذ بهذا النعيم ، يا رحمن يا رحيم0
أيها المشتاقون يا من تاقت منهم الأرواح ، إلى بلاد الأفراح ، هل سمعتم عن مطايا الجنة ، روى
الترمذي عن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل في الجنة خيل ؟ فقال
عيه الصلاة والسلام ( إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء
يطير بك في الجنة حيث شئت إلا فعلت ) الترمذي 2543 ، قال ابن المبارك : في الجنة عتاق الخيل
، وكرائم النجائب يركبها أهلها 0 حادي الأرواح 331 0 وروى ابن أبي الدنيا عن عليّ رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل، ومن أسفلها
خيل من ذهب مسرجة ملجمة من درّ وياقوت ، لا تروث ولا تبول ، لها أجنحة خطوها مدّ بصرها ،
فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاؤوا ) حادي الأرواح336
ومن كمال نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون فيما بينهم فاسمع العجب العجاب في زيارة الأحباب ،
أخرج ابن المبارك عن أنس عنه عليه الصلاة والسلام قال ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، فيشتاق
الإخوان بعضهم إلى بعض ، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا ، وسرير هذا إلى سرير هذا ،حتى
يجتمعا جميعا ، فيقول أحدهما لصاحبه : تعلم متىغفر الله لنا ،فيقول : يوم كنا في موضع كذا وكذا
، فدعونا الله فغفر لنا ،حادي الأرواح335
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
، وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين0